بينما تسهر جوبا على أنغام بروفات نشيد الإستقلال .. بقلم: حاتم المدني

بينما تسهر جوبا على أنغام بروفات نشيد الإستقلال

السبت, 13 تشرين2/نوفمبر 2010 08:11

سوف تكون هناك فترة انتقالية مدتها ستة أشهر بعد إعلان نتيجة الإستفتاء وحتى 9 يوليو2011 للتحضير لإنشاء مؤسسات الدولة الجديدة الرسمية اذا صوت سكانه لخيار الانفصال من أجل إعلان استقلالهم رسميا، ومن المتوقع أن يسارع المجتمع الدولي لمساعدتهم في فترة الشهور الاولى القادمة كذلك طبيعيا متوقع أن تنشغل قطاعات السكان به ومؤسسات الاقليم بهذا الحدث في تلك الفترة ، لكن هنالك بجانب التحديات الهائلة التي سيواجهونها مستقبلا لبناء مؤسسات دولتهم الجديدة هنالك قضايا آنية عاجلة حاليا تناقلتها الاخبار دفعتني لكتابة هذه السطور ، أكثر خطورة ستهدد حياة قطاعات كبيرة من مواطنيه وربما تئد هذا الحلم وتشكل نواة لمتاعب كثيرة ستضيع إن لم يتم التصدي لها بصورة عاجلة سنوات اخرى من مستقبل مواطنه.
فخلال الاسبوع الماضي في بيان مستعجل من الهيئة الدولية للاجئين اوضحت فيه أن ما يقرب من 5000 من اللاجئين السودانيين من مواطني الجنوب وصلوا الى كينيا فقط خلال الشهر الماضي طالبين اللجوء بها وهو عدد ضخم غير متوقع وحسب مراقبين هنالك ، ان اعداد اكبر بكثير بدأت تلحق بهم هذه الايام ، وخطورة ذلك تكمن في أن هذا النزوح الكبير المفاجئ لم يتم الاستعداد له او حتى تهيئة معسكرات لهم خاصة وان الفترة الماضية بعد توقيع الاتفاقية شهدت عودة معظم سكان المعسكرات بها الى الجنوب وقد قدر وقتها الذين عادوا بمليون ونصف نسمة وتم إغلاق معظم هذه المأوي.
ورغم خطورة هذا النزوح المفاجئ وبهذه الاعداد الغفيرة الا أن الاسباب من ورائها غير واضحة حتى الان حيث أبدت غالبيتها هلع وخوف واضح من إندلاع قتال جديد بسبب الإستفتاء القادم ، المأساة الاخرى في نفس الوقت اتت من اتجاه معاكس فهنالك اعداد ضخمة بدأت في النزوح من جهة دارفور ومناطق كردفان والشرق باتجاه الجنوب و يمكن تصور هذه الاعداد الضخمة العائدة اذا ما قارنا وصول 6000 في الشهر الماضي فقط من الخرطوم وحدها لولاية الوحدة وثلاثون الف أخرون منهم دعتهم الحركة بالتوجه نحو مناطق ابيي ضمن برنامج الحركة الذي دعت فيه مواطنها “للعودة الى للوطن” للمشاركة في استفتاء يناير متخوفة من التلاعب باصواتهم من قبل النظام في الخرطوم لكن الحركة تجاهلت التخطيط الجيد و مخاطر معروفة واضحة سيدفع مواطنها حياته بسببها ، لأنها حتى و أن كانت تتوقع ان العدد الذي سيستجيب لهذا في الخمسين يوما القادمة حسب تقديرات مسؤلييها ربما يصل الى 1500000 فقط فهذا في حد نفسه عدد غير واقعي وصعب التعامل معه مهما كانت إمكانيات اي دولة دعك من الجنوب من حيث إستقبالهم وتوفير اساسيات الحياة لهم في فترة وجيزة وهذه في حد ذاتها كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى تتحمل الحركة دون غيرها مسؤليتها لانها تتوقع ان يشرف المجتمع الدولي على قضايا مواطنيها كما في اوقات الحروب وغير مدركة لعواقب ذلك.
عليه يجب الاسراع بالتحضير لاسواء السيناريوهات رغم ضيق الوقت المتبقي الذي يريدون التمسك به.
لأن من الواجب عاجلا الان كذلك حماية هؤلاء العائدين والاهم النازحين منه خاصة الذين اختاروا النزوح على اقدامهم باتجاه الحدود الغربية الجنوبية مع مواشيهم لخطورة الوضع هنالك حاليا وربما يكون مفيدا ان يكرر المسؤلين الحكوميين في الحركة الشعبية والحكومة الحالية في الشمال عبر كل وسائل الاعلام المتاحة نداءاتهم بصورة مسموعة ومطمئنة للمواطنيين في الاطراف بأنه لن يسمحوا بإندلاع اي صراع مسلح بينهم او صراع قبلي من دون مواربة لأن عدم الوضوح والتهديدات المبطنة غير المسؤلة من ” فيلات” جوبا والخرطوم الوثيرة وحاناتها وجوامعها هو الذي خلق هذا الجو من عدم الاستقرار والافضل تحديد فترة زمنية مطمئنة والاسراع في مناشدة المجتمع الدولي للمساعدة العاجلة وأخص ندائي هنا للاطراف الجنوبية خاصة لأسباب معلومة منها التخوف من حرب قبلية بدأت معالمها تظهر واضحة وتؤجج لها أطراف كذلك معروفة من المتطرفين في كل منها كما حدث في الماضي وهو نفس ما ابداه هؤلاء النازحون الذين هم ادرى بحقيقة الاوضاع التي يروونها ، بالطبع عدم التخطيط في الفترة الماضية لإستيعاب العائدين من دول الجوار او حاليا من الشمال حيث وجد معظم العائدين اراضيهم ومساكنهم قد احتلها غيرهم من القبائل المعادية لهم المجاورة كذلك حسب المسؤلين الجنوبيين ان هنالك هجرات من مواطني الدول المجاورة باعداد كبيرة في الفترة الماضية للجنوب ، سيكون تلقائيا مع وصول القادمين من مواطنيه احتكاكات تحتاج الى مرور زمن كافي ليتعايش هؤلاء العائدين ويتأقلموا مع وضعهم الجديد، والتخوف الحقيقي هنا من ان النزاعات في الجنوب دائما رغم اسبابها الواهية عندما تنطلق شرارتها تتحول الى صراع دموي في وقت وجيز يصعب السيطرة عليه ليدفع مواطنه البسيط ارواحا نفيسة بسببها ، على الرغم من ان كل هذه قضايا معلومة لأطراف الاتفاقية طوال الفترة الماضية لتلافي ما هو متوقع لكنها الان مسؤولية الحركة وحدها والاطراف الجنوبية الاخرى في إطار هذه الاتفاقية المأساة
هنالك كارثة اخرى ليست بيد اي طرف لكنه التوقيت لسوء الطالع حيث اصدر كذلك الهلال الأحمر السوداني نداء طوارئ 2.4 لمبلغ مليون دولار يحتاجها عاجلا لإنقاذ 50000شخصا الشهر الماضي بسبب سيول وفيضانات اجتاحت المناطق الجنوبية وتتوقع ارصادات المناخ موسم من الفيضات والتي ضربت حاليا الجزء الغربي من البلاد وهي كذلك للاسف لم تجد الاهتمام الكافي من الاعلام لأنه لم يربط فيه بين مايجري الان وماذكرناه حول العودة الطوعية وبين اضافة ماساة اخرى لها ، ومن الواضح أن معظم هؤلاء الناس سوف يجدون انفسهم محصورون في مناطق يصعب التحرك منها او وصول امدادات لها في الفترة القادمة.
—.
على الرغم من ذلك يجب ان يعي الجميع ان إستفتاء الجنوب قضية تخص مواطنه وحده و في الشمال يجب ان لا نخلط بينها وبين هذه المخاطر التي تهدد حياة مواطنه ، ولانه في الوقت الحالي حتى وأن صدرت تصريحات مخلصة مطمئنة من أي فرد في هذه الحكومة لن يثق بها مواطنه في الشمال او الجنوب او في الحقيقة اي مواطن سوداني حاليا بسبب ما اعلنوه عن مخططات عنصرية بغيضة ومحاولة نفيها ثم تكرارها وفيه نجد العذر للمواطن الجنوبي والشمالي في عدم تصديق اي ما يصدر منهم وهنا من المستحسن ان تقدم قيادات المعارضة بكل فئاتها ضمانات الى كل من سلفاكير ومشار ليعلنا للجنوبيين نيابة عن جميع افراد الشعب السوداني ان حياة المواطن الجنوبي في الشمال والجنوب لن تتعرض للخطر او يتعرض افراده لمضايقات بسبب نتيجة الاستفتاء القادمة وسيكون لديه متسع من الوقت لتدبير مستقبل حياته والاختيار بين العودة الى الجنوب او البقاء في الشمال .
من ناحية رآي ومبدأ معلن من جهتي ومعارضتي الواضحة لبعض ماتضمنته هذه الاتفاقية وأعتقد انه يشاركني فيه كثيرون من الوطنيين الجنوبيين والشماليين الا انه لايمكننا الان ان نجتر الماضي فله وقت حسابه بقدر ما هو مهم الان ان نتفاكر عن غدا، فالذين وقعوا هذه الاتفاقية في رآي سذج إعتقدوا انهم قد حقنوا الدماء بين ابناء هذه الامة ولو كان الامر بهذه السهولة لأقدمت عليه كل الحكومات السابقة للاسف لايدرون انهم سلموا جزءا عزيز من وطنهم ليشتروا سلطان وسلطة لن تدوم مقابل بيع وطنهم الى مؤسسات مالية لاترى فيه سوى ثرواته وخيرات ارضه وهذا ليس تجني على حقوق مشروعة لمواطني الاقليم فالذين وقعوا هذه الاتفاقية هم في الاساس سبب هذا النزاع وحتى الان لا يعرفون حقيقة اساسية ان الجنوبي اوعى بكثير ويعرف هذه المطامع جيدا سواء من الاجنبي ام من دهاقنة النظام كما يعرفون الاعيب قيادات حركة المرافعين وهم اكثر عزة بارضهم وعبر التاريخ لم يخنعوا لأي مستعمر اجنبي او فاسد من قبائلهم وانا واثق ان من بينهم من سيحمون خيراتهم وارضهم افضل من اي حكومة مرت في تاريخنا بل اضيف على ذلك ان كل الجنوبيين يحبون السودان الكبير اكثر بكثير من الذين يمضغون ويلوكون معاني الوحدة ويبصقون في رياء على الانفصال.

حاتم المدني*

×
Product added to cart

لا توجد منتجات في سلة المشتريات.