هازول: فسادك زكمنا!! .. بقلم: حاتم المدني

هازول: فسادك زكمنا!! .. بقلم: حاتم المدني
الجمعة, 29 تشرين1/أكتوير 2010 06:37

لم يثر التقرير الذي صدر قبل يومين من منظمة الشفافية الدولية لعام 2010 حول ترتيب السودان “المشين” حقا ضمن قائمة الدول التي يستشري بها الفساد كثير من الاهتمام او يحظى بثقله او حتى إمتعاض في صحافتنا المحلية ، كذلك على عكس المعتاد عليه سنويا لم تسارع الجهات الحكومية بالتقليل من شأنه او إتهام جهات خارجية معادية لها بتدبيره ، وقد جاء فيه ترتيب السودان 172 من ضمن 178 دولة وهو بذلك أضحى ثاني أفسد دولة في العالم العربي بعد العراق وثاني افسد دولة في أفريقيا بعد الصومال ، وربما يعود سبب عدم أهتمام وسائل الاعلام المحلية بخطورة التقرير هذا العام هو صدور تقرير مشين أخر سبقه الاسبوع الماضي من قبل ديوان المراجع المالي العام للحكومة بالبرلمان والذي أشار فيه الى ان حجم الفساد والاعتداء على المال العام قد ارتفعت وتيرته ولم تنقص مقارنة بالعام الذي سبقه وهي ليست المرة الاولي التي يؤكد فيها ديوان المراجع العام استشراء الفساد بمرافق الدولة خاذلا التحدي الذي كان قد أطلقه رئيس الحكومة عمر البشير في وقت سابق حين تحدى معارضيه الذين اتهموا حكومته ومسؤلين حكوميين بها بالفساد واستغلال مؤسسات الحكم للثراء وانتشار المحسوبية والرشوة والممارسات المالية الفاسدة قائلا “اي شخص عنده اثبات وادلة ومستندات على فساد اي جهة او فرد فاليقدمها”.. فها هي بينة بين يديه من مؤسسات النظام نفسه في اعوام متتالية.
و الخبر المشين هو الاخر لم يجد حجمه سوى مانشيت يقول (تقرير المراجع العام.. ينتهي العزاء بمراسم الدفن) ..كان عنوان مقالة الزميل الاستاذ فائز السليك من صحيفة أجراس الحرية معلقا على ردود الفعل و تفاعل المسؤولين البائس إتجاه التقرير المشين من ديوان المراجع العام الحكومي وغياب اي خطوات للمؤسسات العدلية اوشروعها في اجراءات نحو المفسدين لكن نفس المؤسسات العدلية ترى اولوية عملها لخدمة المواطن تاتي في اولوياتها بعد محاكمة الزميل فائز السليك هذه الايام و قد كان محقا ما توقعه قارئ له نشر رده بعاموده في الصحيفة حول نفس ما ذهب اليه بخصوص رد الفعل المتوقع من الحكومة اتجاه التقرير والفرق ان ذلك الرد كان عام 2008 واختصر المفيد فيه ذلك القارئ مشبها المراجع العام ب”المؤذن في مالطا” ، اما زميله في نفس الصحيفة الاستاذ دينق قوج في عموده “جرس أخير” ذكر انه في بادئ الامر كان غير متفائل بعد الغموض الذي صاحب احالة المراجع العام السابق الى المعاش وتعيين المراجع الحالي بديلا له لكنه اضاف ان دقة التقرير وشفافيته قد ادهشته!.
وتقول هوغيت لابيل، رئيسة منظمة الشفافية الدولية “مع وجود سبل المعيشة في كثير من بلدان العالم على المحك ، فلابد أن تعمل حكومات تلك الدول على ترجمة اقوالها حول القضايا المتعلقة بالتزامها بمكافحة الفساد والشفافية والمساءلة الى أفعال ويعتبر الحكم الرشيد جزءاٌ من حل المشاكل والتحديات التي تواجهها حكومات العالم اليوم والمتعلقة بالسياسة العالمية”.
وعلى الرغم من ضخامة حجم الفساد المالي الذي اشار اليه تقرير المراجع العام ففي إعتقادي انه قد لايمثل ثلث الحجم الفعلي للفساد المالي بمؤسسات الدولة خاصة وان المراجع العام اشار الى ان مؤسسات كهيئة السدود قد استثنيت بصورة غير مبررة قانونيا من مراجعته وتم ذلك بمرسوم رئاسي اصدره مباشرة رئيس الجمهورية نفسه ولاننسى ان المؤسسات الامنية والجيش هي الاخرى لم يعلن نتائج مراجعاتها المالية بعد او حتى الاعلان عن انه قد تمت مراجعتها من دون نشر حجم الفساد بها وقد سبق ان قام العديد من الاعلاميين بالسودان ومعارضين للنظام بعقد مقارنات عديدة بين حجم ما يصرف كميزانية سنوية لبعض المؤسسات التي لا تخدم من حيث الاولوية المواطن به وبين مايخصص من ميزانية لمؤسسات هو أحوج اليها وذات اهمية قصوى تتعامل مع متطلبات بقائه و حياته ، فمن خلال ما نشر ضمن التقرير السابق للمراجع العام ، و اعتمد هنا على ما اشار به احد المعارضين في تناوله له و كمثالا واحدا فقط هنا ان الحكومة تنفق على مجمع الفقه الاسلامي 1.288.000.000 في العام بينما تصرف على مشروعات المياه2.500.000.000
و تجد بجانب رئيس الجمهورية ونائبيه هنالك ثلاثة مساعدين له و14 مستشارا إضافة الى 15 من رؤساء اللجان هم اعضاء مجلس بالبرلمان المركزي بدرجة وزير و لا ننسى 450 عضو بالاضافة الى 50 اخرين من اعضاء مجلس تشريعي الولايات كل عضو منهم لايقل مرتبه مضافة اليه الحوافز عن اربعة ملايين من الجنيهات بالعملة الجديدة اي ما يعادل تقريبا راتب العضو فيه اكثر من اربعون الف جنيه استرليني في السودان!
مفروغ منه انه لايطالع هؤلاء المسؤليين الاخبار التي تتصدر الصحف اليومية سواء حول مصرع “15″ طفل جوعا بشرق جبل مرة وان سكانها اعربوا لصحفيين هنالك ان الجوع اكبر مهدد لهم اليوم من القتال او ان العطش يؤرق مواطني القضارف وغيرها التي هي اولى كقضايا تصرف فيها اموال نفس المواطن من الصرف على مجمع الفقه الاسلامي او غيرها من المؤسسات التي تبذر فيها اموال المواطن وحر ماله او حتى اتعاب وجودهم الكومبارسي مدعين تمثيله
فحقيقة البشير لم يخسر تحديه فقط هنا فقد خسر الوطن ومواطنه و لأشك انه سيخسر تحديه الاخير المتبقي؟ اذا مالم يصغي جيدا لغير مستشاريه الحاليين ويتخذ خطوات جادة باخضاع نفسه للمحاسبة اولا.
حاتم المدني*

×
Product added to cart

لا توجد منتجات في سلة المشتريات.